«رحلة تعويم الجنيه المصري» تنتهي بهبوطه لأدنى مستوى في تاريخه أمام الدولار في 2024

خلال عام 2024 شهد الجنيه المصري سلسلة من التطورات التي أدت إلى ارتفاع سعر صرف الدولار الأمريكي مُقابل الجنيه المصري داخل البنوك المصرية متجاوزًا حاجز 50 جنيهًا مصريًا مُقابل الدولار الواحد، مما أثر على جيوب المواطنين في شتى نواحي الحياة، كما ضاعف فرض إنعاش الاقتصاد المصري الذي عاني لعقود من حالة غيبوبة في ظل سياسات عدم تحرير صرف الجنيه.

وعلى مدار 8 أعوام شهدت تعاملات الجنيه المصري في مقابل الدولار الأمريكي حالاً من الارتفاع المستمر بقي على وتيرة واحدة حتى ديسمبر، ليشهد بعد ذلك قفزات كبيرة وفترة جديدة في عهد التراجعات القوية التي سجلها في مقابل الدولار.

5  تعويمات منذ نوفمبر 2016

لكن منذ عام 2016 شهدت سوق الصرف في مصر تغييرات كبيرة تزامنت مع إعلان الحكومة تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي بدأ بتعويم الجنيه المصري في مقابل الدولار، فخلال الأعوام الثمانية عُوم الجنيه المصري خمس مرات، فقد خلالها 84 في المئة من قيمته، وقفز سعر الدولار من 7.80 جنيه قبل أول تعويم في نوفمبر 2016 إلى نحو 49 جنيهاً في الوقت الحالي، وتشير هذه الأرقام إلى أن متوسط الزيادة في سعر الدولار يبلغ 66 في المئة خلال الأعوام الثمانية الماضية.

وفي أول قرار تعويم عام 2016، وبخلاف السعر الاسترشادي الذي حدده البنك المركزي المصري عند 13 جنيهاً للدولار، ارتفع سعر الصرف ليسجل زيادة بـ 131 في المئة، بعدما قفز الدولار إلى 18 جنيهاً في ديسمبر 2016، في مقابل 7.80 جنيه قبل قرار التعويم في نوفمبر 2016.

وظلت السوق في حال هدوء حتى عام 2022 حين قرر البنك المركزي المصري في مارس خفض قيمة الجنيه من 15.77 جنيه للدولار إلى 19.7 جنيه للدولار بتراجع 25 في المئة.

أما التعويم الثالث فقد كان في أكتوبر عام 2022 حين خُفض الجنيه من 19.7 جنيه للدولار إلى 24.7 جنيه للدولار بتراجع 25.4 في المئة، في حين كان التعويم الرابع في يناير 2023، حين خُفض من 24.7 جنيه للدولار إلى 32 جنيهاً للدولار بتراجع 30 في المئة.

وكان التعويم الأخير في مارس الماضي حينما قرر "المركزي المصري" خلال اجتماع استثنائي زيادة أسعار الفائدة 600 نقطة أساس، وسمح لسعر صرف الجنيه أن يتحدد وفق آليات السوق، وعقب صدور القرارات قفز سعر الدولار إلى مستوى يتجاوز 45.30 جنيه، ثم واصل الصعود ليسجل 51 جنيهاً في الوقت الحالي.

إلى أين يتجه الجنيه المصري في 2025؟

رجحت تقارير حديثة أن يتسارع نمو الاقتصاد المصري، إلى 5.1% في العام المالي المقبل 2025- 2026، واستبعدت أن يشهد الجنيه المصري مزيدًا من الخسائر مقابل الدولار الأمريكي خلال الربع الأول من العام المقبل.

ووفقًا لوحدة أبحاث "بي إم آي" التابعة لمؤسسة "فيتش سوليوشنز"، فإن هذه التوقعات تأتي مدعومة بالتحسن المتوقع في حركة الملاحة بالبحر الأحمر ونمو قطاع الخدمات على خلفية هدوء المخاطر الجيوسياسية وانخفاض تكاليف الاقتراض الذي سيؤدي إلى زيادة الاستثمار.

فيما خفضت الوكالة توقعاتها لنمو الاقتصاد في مصر بمقدار 0.5 نقطة مئوية للعام المالي 2024- 2025 ليصل إلى 3.7%، نزولا من 4.2% في سبتمبر.

وعزت هذا الخفض إلى ضعف الأداء في الربع الأخير من العام المالي السابق 2023- 2024، إلى جانب الاضطرابات المستمرة في البحر الأحمر التي تقلل من إيرادات قناة السويس.

لكن ما زال النمو مرتفعا مقارنة بالعام المالي السابق، حيث أشار التقرير إلى أن انتعاش الصادرات غير النفطية وزيادة الاستثمار سيبقيان نمو البلاد فوق مستوى 2.4% الذي تحقق بالعام المالي الماضي.

واستبعد التقرير أن يشهد سعر صرف الجنيه مزيدا من التراجع أمام الدولار بفضل تحسن معنويات المستثمرين والتدخل في السوق.

ضعف الدولا مقابل الجنيه في 2025

وأشارت فيتش إلى أن ضعف الدولار، وانحسار التوترات الجيوسياسية، بما في ذلك عودة الملاحة في البحر الأحمر إلى طبيعتها واستقرار إيرادات قناة السويس، قد يساعد الجنيه على استعادة بعض خسائره.

وقبل أيام، رجح تقرير أصدره معهد "ماستر كارد" للاقتصاد، أن يسجل الناتج المحلي الإجمالي في مصر، نموًا بنسبة 4% خلال العام المقبل، متجاوزًا معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي، الذي من المتوقع أن يبلغ 3.2% بزيادة ضئيلة عن مستوى 3.1% خلال العام عام 2024.

فيما يظهر برنامج أن الحكومة الجديدة تسعى لزيادة معدلات النمو الاقتصادي إلى 5.5% من خلال تحسين بيئة الاستثمار ودعم القطاع الخاص، كما يظهر برنامج أن الحكومة الجديدة تسعى لزيادة معدلات النمو الاقتصادي إلى 5.5% من خلال تحسين بيئة الاستثمار ودعم القطاع الخاص.

ويستهدف البرنامج ترشيد الإنفاق وتعزيز الإيرادات، إذ تسعى الحكومة إلى خفض العجز المالي من خلال ترشيد الإنفاق وتعزيز الإيرادات العامة، مع استهداف زيادة متوسط النمو السنوي للإيرادات العامة إلى مستوى 17.4%، و يركز البرنامج أيضًا على خفض معدلات البطالة إلى مستوى 6.5%.

ومنذ العام 2016 تشهد سوق الصرف في مصر تغيرات كبيرة تزامنت مع إعلان الحكومة عن تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي والذي بدأ بتعويم الجنيه المصري مقابل الدولار، فخلال السنوات الماضية تم تعويم الجنيه المصري 5 مرات تراجع خلالها بنسبة أكثر من 84% من قيمته أمام الدولار الأميركي.

وتشير البيانات المنشورة، إلى أن سعر صرف الدولار قفز من مستوى 8.80 جنيه قبل أول تعويم في نوفمبر من العام 2016 إلى نحو 50.75 جنيه في الوقت الحالي، وتظهر هذه الأرقام أن متوسط الزيادة في سعر صرف الدولار يتجاوز 550% خلال السنوات الـ 8 الماضية بمتوسط زيادة سنوية بأكثر من 68%.

وتوقع تقرير "ماستر كارد"، أن يرتفع الإنفاق الاستهلاكي في مصر بنسبة 1.8%، وأن يشهد التضخم في أسعار المستهلك انخفاضاً إلى مستوى 19.3%.

ويواجه النمو الاقتصادي حالياً تقييداً من التعديلات المتعلقة بالاقتصاد الكلي، ومن المرجح أن يبقى القطاع السياحي علامة فارقة لاقتصاد البلاد، مع إظهار سفر الوافدين مرونة ملحوظة.

عودة شهية الشركات الأجنبية للسوق المصرية

قال مدير مركز رؤية للدراسات الاقتصادية بلال شعيب، إن السنوات القليلة الماضية شهدت اتجاه بعض الشركات الأجنبية والمحلية كذلك لتقليص حجم استثماراتها بمصر أو التوقف عن ضخ استثمارات جديدة نتيجة لعدة عوامل أبرزها ظاهرة تعدد أسعار الصرف التي شكلت عقبة أمام الشركات الأجنبية تحديدا فيما يتعلق بتحويل أرباحها لخارج الدولة.

وأوضح شعيب، أن مصر أجرت مجموعة من الإصلاحات الهيكلية خلال الأشهر القليلة الماضية مدفوعة بالأثر الإيجابي لصفقة رأس الحكمة الموقعة نهاية فبراير مع شركة القابضة الإماراتية بقيمة 35 مليار دولار، مشيرا إلى أن أبرز هذه الإصلاحات قرار تحرير سعر الصرف.

وأضاف أن الفترة التي سبقت صدور قرار تحرير سعر الصرف في 6 مارس الماضي، شهدت نموا لظاهرة تعدد أسعار الدولار الأمر الذي قوض جاذبية الاستثمار في الدولة لكن هذا الأمر تغير الآن فهناك سعر واحد للدولار يتداول وفق آليات العرض والطلب، وهذا سيسهم في تعزيز ثقة الشركات الأجنبية والمحلية في الاقتصاد خلال الفترة المقبلة، وبالتبعية زيادة حجم استثماراتها في السوق لاسيما مع التزام الحكومة بتنفيذ وثيقة سياسة ملكية الدولة التي تستهدف زيادة مشاركة القطاع الخاص في الاقتصاد، لذا من المتوقع أن تشهد الفترة المقبلة تحسنا ملحوظا لمناخ الأعمال والاستثمار بالدولة.

وفي أعقاب قرار التعويم تحديدا في أبريل الماضي أعلنت شركة الدار العقارية، أنها تعتزم التوسع في عدة أسواق من بينها مصر، وقال الرئيس التنفيذي للشؤون المالية بالشركة فيصل فلكناز خلال مؤتمر صحفي، إن "الدار" تنظر بتفاؤل لآفاق السوق المصرية التي يصل حجم أعمالها فيها إلى قرابة 3.5 مليار درهم.

يقول أحمد عبدالعزيز، الخبير المصرفي  إن تعدد سياسات سعر الصرف التى تتبعها البنوك المركزية بين سياسة التثبيت والتعويم المرن والتعويم المُدار وقد أوصى صندوق النقد الدولي مصر باتباع سعر صرف مرن بما يسمح بتحديد السعر ارتفاعاً ونزولاً طبقاً لقوى العرض والطلب وللخروج من الأزمة التي عانت منها مصر على مدار أكثر من عامين من شح في موارد النقد الأجنبي وتحفيز الاستثمارات الأجنبية وقد كان لكبر حجم الالتزامات الخارجية المراد الوفاء بها خلال عام 2024 الأثر في خفض قيمة الجنيه المصري أمام الدولار ووصوله لأكثر من 50 جنيهاً للدولار الواحد وليس من شك فإن ذلك أدى أيضاً إلى تعزيز معدلات مرتفعة في مصر بفعل التضخم المستورد وكنتيجة لانخفاض قيمة الجنيه.

وأضاف عبدالعزيز أنه مع بدء انفراج الأزمة كنتيجة لاستثمارات رأس الحكمة وتدفق الموارد من النقد الاجنبي استقر سعر صرف الجنيه لفترة شهور ثم بعد ذلك ومع استمرار الأوضاع الخارجية واستمرار المخاطر الجيوسياسية وامتداد الحرب الإسرائيلية للبنان إلى جانب استمرارها في غزة ثم تصاعد الأوضاع في سوريا مؤخراً عزز ذلك من الشكوك لدى المتعاملين في سوق الصرف ورغبة منهم في عودة المضاربات والكسب السريع للأرباح حيث الف المضاربين التجارة في العملة ويريدون عودة السوق الموازية بأية طريقة لذلك تطلق الشائعات تارة او يتم الإعلان عن أسعار أعلى من السوق المصرفي تارة أخرى أملاً في عودة السوق السوداء وتحقيق الأرباح على حساب مقدرات الاقتصاد القومي.

خطة حكومية لوأد السوق السوداء

و يستعرض الخبير المصرفي خطة الحكومة المصرية لمواجهة محاولات إحياء السوق السوداء، قائلاً إنه على الرغم من دفع المضاربين لاتجاه إحياء السوق السوداء للعملة من جديد، إلا أن اتخاذ الحكومة بعض الخطوات المهمة في إحياء الصناعات والسماح للعاملين بالخارج في استخدام تطبيق "انستاباي" الخاص بالتحويلات المالية في إجراء التحويلات مع استمرار تدفق تحويلات المصريين في الخارج وزيادة توافد السائحين سيكون لكل ذلك دور في إبطاء أو عدم عودة السوق السوداء بنفس ما حدث قبل برنامج الصندوق في سوق الصرف، وبالتالي من المتوقع حدوث استقرار في سعر الصرف أو انخفاضات محدودة جدا خلال هذه الفترة وحتى الربع الأول من عام 2025 ثم تبدأ انفراجه في موارد النقد الأجنبي مع تنفيذ خطط التخارج وغيرها من الخطط والحفاظ على سياسة سعر الصرف المرن.

تأثير خفض قيمة الجنيه على المصريين

وليس من شك أن انخفاضات قيمة الجنيه تؤثر على القوة الشرائية لدى المواطنين بفعل تحفيز معدلات عالية للتضخم نتيجة اعتماد مصر على الواردات بصورة تفوق التصنيع والتصدير وليس من شرط ان يؤدى تراجع العملة إلى تخفيض التصنيف الائتماني؛ لأن الأصل في تخفيض قيمة العملة عند حدوث عجز في موازين المدفوعات هو تحفيز الصادرات وجذب الاستثمارات وجذب عدد اكبر من السائحين وبالتالي يتحسن ميزان المدفوعات وتتحسن الموارد من النقد الأجنبي وبالتالي تصبح هناك فوائض قادرة علي سداد الالتزامات بما يمكن أن يؤدي إلى تحسين التصنيف الائتماني، كما أنه ليس من المتوقع أن تصل معدلات الفائدة في مصر لسيناريو معدلات الفائدة في تركيا نظراً لانعكاسات خفض سعر الفائدة على الدولار سيكون له تأثير إيجابي على خفض أسعار العائد بداية من الربع الثاني لعام 2025 هذا من ناحية ومن ناحية أخرى الاتجاه إلى التصنيع المحلي والتخارج من بعض الاستثمارات سيؤدى إلى توقير قدر من الموارد التي يمكن أن تعزز من عدم الاتجاه إلى رفع سعر الفائدة.

بخلاف التوقعات السابقة بشأن سعر صرف الدولار في مصر، قال الاستشاري الاقتصادي في Ibis للاستشارات، علي متولي، إن توقعات البنوك والشركات الاستشارية تشير إلى ارتفاع سعر صرف الدولار في مصر بين 50 إلى 51 جنيهاً خلال العام 2025، وبين 54 إلى 55 جنيهاً في 2026.

وأوضح أن هذا التوقعات ناتجة عن هيكل الاقتصاد المصري، واعتماد التغير في سعر الصرف على زيادة الاستثمارات الأجنبية، والاتفاقيات الثنائية للاستثمار.

وقال إنه من الصعب تحرير كامل لسعر الصرف في مصر نظراً للوضع الإقليمي وإمكانية عودة السوق السوداء للعملة مرة أخرى، مع وجود عدة عوامل مؤثرة أخرى منها تطورات الحساب الجاري، والاحتياطي الأجنبي وسعر الفائدة في أميركا، والتضخم، ولذلك لم يخفض "المركزي" سعر الفائدة حتى الآن لأن التخفيض قد يستلزم معه تراجع في سعر الصرف.

كان متوسط التوقعات في استطلاع أجرته "رويترز" في الفترة من التاسع حتى 23 أكتوبر وشمل 13 خبيرا اقتصاديا، قد أظهر أن الجنيه المصري سيتراجع إلى 50.4 جنيه للدولار بحلول نهاية يونيو 2025 و52.0 بحلول نهاية يونيو/ 2026.

وأبقى البنك المركزي الجنيه ثابتا عند 30.85 جنيه للدولار قبل أن يتركه يتراجع ضمن البرنامج مع صندوق النقد الدولي في مارس/آذار 2024. ويتداول الآن عند نحو 48.8 جنيه للدولار.

يمين الصفحة
شمال الصفحة